رواية ضروب العشق بقلم ندى محمود توفيق )
طعامها وتجمعت الدموع في عيناها على ذكرها لأخيها وأمها الألم الذي يسكن قلبها الضعيف لا يمكنها تحمله فكم اشتاقت لمعانقتهم وكم اشتاقت لأمها وحديثها وصوتها وابتسامتها حتى توبيخها لها فلو هناك آلة تعود بالزمن كما في الأفلام الخيالية لما ترددت لحظة في استخدامها انهمرت دموعها دون أذنها فهبت واقفة واسرعت لغرفتها بعد أن لاحظت أنه انتبه لدموعها وبالفعل وجدته يفتح الباب ويقترب ليجلس بجانبها على الفراش هاتفا في قلق
لم تتمكن من التحكم في شلال دموعها الغزير فكلما تعصف صورتهم في ذهنها تزداد حدة بكائها ومعه يزداد قلقه وحيرته
وحشوني أوي ياكرم نفسي اشوفهم مش قادرة استحمل حياتي من غيرهم
خسرتهم هما الأتنين ورا بعض كنت لسا ملحقتش افوق من حزني على سيف وماما كمان اټوفت وراه في اللحظة دي حسيت إني خسړت كل
حاجة وفكرت إني اڼتحر وكنت هعمل كدا فعلا بس تراجعت في آخر لحظة
عارف وحاسس بيكي لأن نفس الأحساس أنا لغاية دلوقتي بعاني منه بس الحياة مبتقفش على حد صدقيني وهما أكيد في مكان أفضل منينا وأنا معاكي ياشفق احنا عيلتك دلوقتي كفاية عياط وادعيلهم وإن شاء الله ربنا يجمعنا بيهم في الآخرة
خرجت من نوبة بكائها وانتبهت لوضعها فنالها ما ناله من التوتر والاضطراب وابتعدت عنه وهي تجفل نظرها وتجفف دموعها متمتمة في صوت خاڤت ومضطرب
رسم ابتسامة عذبة وتمتم في حنو
ولا يهمك قومي اغسلي وشك يلا عشان نكمل فطارنا
أماءت له بالموافقة ثم استقامت واسرعت باتجاه الحمام تختبيء فيه من فعلتها الحمقاء فهي نوت أن تتخلى عن خجلها منه ولكن ليس لهذا الحد أما هو فمسح على وجهه وهو يزفر بقوة ليزيح ما قد كان يكتم على انفاسه للتو وهي بين ذراعيه فقط شعور لا يود أن يشعر به مجددا فلوهلة حس نفسه مكبلا ومقيدا لا يستطيع فعل شيء
وهو ينظر لها بأعين ثاقبة وحادة بعض الشيء بعدما سمعها تتحدث في الهاتف منذ قليل وكانت تضحك بعفوية وتتكلم بطبيعية ولكنه فشل في معرفة مع من تتحدث وفقط فهم من صيغة الكلام أنها تحادث رجل ومنذ تلك اللحظة وقد غليت دماؤه في عروقه فانتبهت هي لنظراته المريبة لها لتتوقف عن الأكل وتحدقه باضطراب بسيط وتهز رأسه بمعنى ماذا حدث !
كنتي بتكلمي مين
غمغمت في بساطة دون تردد في الإجابة وهي مازالت تعقد حاجبيها باستغراب من طريقته ونظراته
إسلام أصل ماما قالتلي إنه كان تعبان إمبارح واتصلت اطمن عليه واتكلم معاه شوية
تابعت تعابير وجهه فلم تجد منه أي تعابير تخفف من حدة نظراته وفقط انزل نظره وأكمل طعامه بصمت فتأخذ نفسها في التفكير للحظات حتى تغيرت ملامحها من الهدوء واللطف إلى اليأس والضيق وتركت من يدها المعلقة هاتفة تسأله بوضوح دون مقدمات
رفع نظره والقى نظرة جامدة وقوية عليها دون أن يتفوه ببنت شفة فابتسمت بمرارة وأسى وهدرت بعبوس
كلها كام يوم ونكمل شهر وأنا طول الشهر ده بذلت كل حاجة اقدر أعملها عشان اثبتلك إني ندمت وإني مستحيل أكرر الغلط مرتين وإني عايزاك إنت بس تقريبا مش أنا اللي فشلت في إني استعيد ثقتك فيا لا إنت اللي بتختار إنك متثقش فيا في كل موقف وبتختار إنك تشك فيا أنا بحاول أعمل المستحيل عشان العلاقة دي تستمر ومخسركش بس واضح إن إنت اللي مش فارق معاك تخسرني أو لا ومش عايزها تستمر وإنت كمان اللي عايز تحط خطواط النهاية لعلاقتنا مش أنا !
ثم استقامت وهمت بالعودة إلى غرفتها ولكن صوته اوقفها وهو يقول في لهجة شبه آمرة
اقعدي كملي أكل
همهمت في عبث
شبعت كمل إنت بالهنا والشفا
ثم دخلت إلي غرفتها وتركته حتى هو الآخر فقد شهيته عن الطعام فجعل يستغفر ربه وهو يمسح على وجهه بكفيه هي مخطئة
هذه المرة ربما هذه هي المرة الأولى له منذ زواجهم التي لم يشك بها فقط ما داهمه كانت مشاعر غيرة وڠضب عارم من أنها تحادث رجل وتضحك هكذا معه ولكن حين عرف أنه أخيها هدأت نفسه الثائرة قليلا ولكنها اساءت فهمه ولفظت بكلمات من بين شفتيها لا تعرف مدى صحتها فهو مثلها يحاول الحفاظ على هذه العلاقة بل يبذل مجهودا أكبر منها في نسيان ما حدث والعيش معها حياة طبيعية كأي زوج وزوجة ويواجه صعوبة في التأقلم مع هذه الأوضاع لهذا تجده غير متوازن في انفعالاته معها لحظات يكون جميلا وحنونا ولحظات يعود لجفائه معها وهو بالفعل سيبدأ في وضع نقاط حروف عشقه لها حيث هب واقفا واتجه خلفها لغرفتها ثم فتح الباب ودخل ليجدها جالسة على فراشها وقدمها ټضرب في الأرض بحركات متتالية وكفها على وجنتها تقرض ظافر سبابتها بحړقة ودموعها
تجد طريقها على وجنتيها فأصدر زفيرا متأففا ثم تحرك نحوها وجلس بجانبها ومد يده يزيح خصلات شعرها التي تغطي جانب وجهها ويتمتم في خفوت صادق
أنا مش عايز أحط خطواط النهاية ومش عايز اخسرك وصدقيني بحاول اصدقك وأثق فيكي بس مش قادر وكل ما بفتكر خداعك ليا برجع للصفر تاني أنا كمان عايزاك ياملاذ ومش عايز اطلقك بس لو علاقتنا استمرت بالوضع ده مش هنقدر نكمل لإن لا إنتي هتستحملي ولا أنا وعلى
فكرة أنا مشكيتش فيكي دلوقتي أنا اتعصبت لما افتكرتك بتكلمي راجل غريب وبتضحكي كدا معاه
هتفت پبكاء حاد وحړقة قلب فهمها من كلامها ودموعها
لا إنت مبتحاولش يازين ومتقولش إنك حاولت لإنك لو كنت حاولت وحاولت تصدقني مكنش وضعنا هيبقى كدا لغاية دلوقتي
حك ذقنه النامية وصمت لبرهة من الوقت وهو يأخذ شهيقا قوي ثم تمتم في نظرة دافئة
طيب هدي لعلاقتما فرصة إننا نثبت لبعض بأفعالنا ومش هتبقى فرصة ليكي بس لا كمان ليا عشان اثبتلك إني زيك بحاول احافظ على العلاقة دي ويمكن اكتر منك كمان
وهو كل اللي عملته ده لسا ميثبتش ليك يازين !
قالتها باستغراب وباسمة بسخرية ليقابل سخريتها برزانته المعهودة ويتمتم في صوت ينسدل كالحرير ناعما
لا ميثبتش لأن علاقتنا تستحق أننا نثبت بأفعالنا ثقتنا وصدقنا واخلاصنا لبعض نثبت بالأفعال مش بالكلام
هدأت نوبة بكائها وسألت في استفهام وحيرة
بالأفعال إزاي يعني !
ابتسم وأجابها بلطف وحنو
دي حاجة تخصك متخصنيش الفترة الجاية دي فترة اختبار لينا احنا الاتنين وياننجح فيها يانرسب
لا بأس فإذا كان اختبار فكما اجتزت جميع اختبارات الحياة سأجتاز اختبار العشق وسأتفوق عليك كانت تحدث نفسها بهذه الكلمات ثم نظرت له وبادلته نفس الابتسامة وهي تهز رأسها بالموافقة لتجده يمد انامله ويجفف دموعها برقة هامسا في أعين تلمع بوميض مختلف
يلا قومي عشان تكملي فطارك
حاضر
بعد ساعات قليلة داخل مقر شركة العمايري
خرج حسن من مكتبه ومر من أمام مكتبها في طريقه فتوقف لبرهة من الوقت مترددا ثم اقترب بعد تفكير عميق وفتح الباب والقى نظرة متفحصة في مكتبها فلم يجدها به ليعقد حاجبيه باستغراب ويدخل ويغلق الباب خلفه وهو يلقى نظرة متأملة ودقيقة على محتويات مكتبها وأذا به ينتبه إلى الاجندة المتوسطة التي بحجم الكراسة ووجعل يتطلع لها بصمت وفي غلافها الجميل الذي عبارة عن صورة سماء زرقاء وبها لمسات اعطته جمال أشد فابتسم فور تذكره أنها هدية منه قدمها لها في عيد ميلادها السابع عشر عندما اقامت حفل عيد ميلاد فأهدى لها هذه الأجندة ومعها قلم فاخر صناعة مستوردة لعلمه في ذلك الوقت حبها للكتابة والقراءة ولكنه لم يكن يتوقع أنها لازالت تحتفظ بهذه الهدية بعد كل هذه السنوات فالتقطها وفتحها ليجد بداخلها ذلك القلم الفاخر فيلتقطه ويتفحصه بالتأكيد لم يعد يكتب ولكنها تحتفظ به اخرجه ووضعه على سطح المكتب ثم اتجه وجلس على الأريكة وبدأ يفتح صفحات عشوائية ويقرأ ما دونت به كانت ملاحظات مراهقة وهي تكتب احداثها المميزة بعضها اضحكه والبعض الآخر مر عليه كأنه لم يمر ولكنه توقف عند صفحة وهو يقرأ ما دونت به بإمعان ربما
كنت مخطئة بشأن مفهوم العشق على أنه يقود للجنون والآن يجب على الاعتراف بأنه قادني لمستنقع مظلم حبس انفاسي وحجب رؤيتي فڠرقت في ظلماتي وحيدة دون أن أحصل على أي شيء وفقط حصلت على الخذلان للمرة الألف وأنا أفشل في تحقيق ما اسعى إليه من العشق ربما كان يجب على أن أكون أكثر واقعية وأن لا اتعلق بأوهام تمكنت من أن تتطيح بي إلى اقصى البلاد ورغم كل هذا مازالت ابحث عن العشق في هذه القلوب الغريبة ولست متأكدة إلى متى سيتسمر بحثي ولكن حتما ستكون نهاية هذا البحث أما أن أجد ما أبحث عنه أو
اتوقف أنا عن البحث ويدب اليأس في قلبي فأعلن عهد جديد لا يوجد به مكان للعشق في قلبي !! كان يقرأ وهو يعرف جيدا بأنها تقصده في كل كلمة ويأسف بشدة لأنه ربما لن يستطيع أن يبادلها العشق سواء الآن أو مستقبلا ويتأسف لها
لأنه لن يتمكن من أن يكون دليلها في طريق بحثها عن طرق قلبه هو يمكنه أن يعطيها كل شيء معاملته الطيبة وحنانه وعطفه ولطفه والصداقة والحب النقي في داخله لها ولكن عشق بمفهومه الذي يكون بالتحام الأرواح والقلوب والنظرات لن يتمكن !
تنهد بعمق ثم اخرج هاتفه واجري اتصال بها لتجيب عليه في صوت هادىء وتسمع سؤاله
إنتي فين
غمغمت بخفوت جميل
في الكافيه اللي جمب الشركة
لم يجيب عليها وانهى الاتصال مما اصابها بالتعجب والاغتياظ بنفس الوقت وظنت أنه تطفل منه لا أكثر وحين عرف لم يكلف نفسه ويسألها عن سبب ذهابها حتى لهناك ولكنها لم تركز عليه حتى لا تعكر مزاجها بدون داع أما هو فهب واقفا ووضع الاجندة بمكانها وغادر يقود طريقه لخارج الشركة بأكملها
كانت هي تتفحص هاتفها وبيدها الأخرى القهوة ترتشف منها بتأني واصابتها الدهشة حين رأته يجلس أمامها على المقعد المقابل لها في الطاولة فرمشت عدة مرات ثم هتفت بريبة
إيه اللي جابك
هدر في هدوء مشجع
جاي لنفس السبب اللي جيتي عشانه وأهو اسليكي بدل ما أنتي شكلك وحش كدا والكافية كله ياما اتنين صحاب
أو ولد وبنت !
التفتت برأسها حولها وهي تلقى نظرة سريعة على جميع الطاولات لتجد أن ليس هناك طاولة يجلس عليها فردا واحدا سواها بالفعل ثم تعود بنظرها له وتقول بعدم تصديق لما قاله للتو
حسن أنا بتكلم جد ليه جيت !
التزم الصمت للحظات وهو يطالعها دون أن يجيب ثم رسم