السبت 23 نوفمبر 2024

رواية أوتار الفؤاد بقلم منال سالم

انت في الصفحة 3 من 29 صفحات

موقع أيام نيوز

براحتها المسنودة بجوار جسدها الساكن تحرك بصره لينظر بتأمل إلى وجهها الذابل المليء بالكدمات والخدوش بعد أن كانت بشرتها انعكاسا للحيوية والجمال شعر بغصة مريرة في حلقه ورغم أن الوقت كفيل بمداواة الچروح إلا أن ذلك ليس مبررا كافيا للاتكال عليه لم يعرف ما الذي اقترفته زوجته من أخطاء لتتعرض لذلك الھجوم الۏحشي أشفق على حالها وامتزج حزنه مع غضبه انخفض برأسه للأسفل ليقبل كفها ودمعاته تبلل جلدها رغما عنه لم ينس خسارته للجنين الذي انتظره بشغف تضاع بكائه وألصق كفها بصدغه همس لها بأنين موجوع
ابننا راح يا ليو
انقطع صوته وانحبست أنفاسه لثوان قبل أن يكمل بصعوبة
أنا عارف إنه كان ڠصب عنك ومش بإيدك اللي حصل
حاول أن يتجاوز الألم المعنوي
الذي يشعر به ليضيف بتفاؤل
هنعدي الفترة دي إن شاءالله ونحاول تاني أنا هافضل جمبك يا حبيبتي
شدد من إمساكه بقبضتها ليشعرها بوجوده معها مسح بيده الأخرى عبراته قائلا لها
مټخافيش يا ليو كله بيتنسى!
لم يكن مقتنعا كليا بكلامه الأخير لكنه حاول أن يدعي ذلك ليكون صلبا متماسكا أمامها فهي في أمس الحاجة إلى دعمه في الفترة القادمة تراجع عدي بظهره للخلف تذكر أنه في غمرة ما حدث تناسى إخبار أوس بحاډثة شقيقته الصغرى أخرج هاتفه المحمول من جيبه ثم بحذر شديد ترك يد زوجته وسار نحو الخارج ليهاتفه وجد صعوبة في الوصول إليه فهاتفه كان مغلقا عاد للغرفة مرة أخرى ليجالس حبيبته استعاد القليل من ثباته ليوعدها بصدق نية
أنا معاكي يا ليو وهاشوف مين اللي عمل فيكي كده وانتقملك منه
...........................................................
الحمدلله
قالتها تقى بفتور يتناقض مع حماسها وتلهفها لإجراء والدتها للعملية الهامة مما استرعى قلق خالتها التي استشعرت ذلك التغيير الواضح في نبرتها لذا سألتها باهتمام جاد
مالك يا بنتي إنتي مش فرحانة ولا إيه
أجابتها نافية بارتباك شبه ملحوظ
لأ يا خالتي والله مبسوطة عشانها
ثم أخذت نفسا عميقا لتضمن ضبط هدوء نبرة صوتها وهي تكمل
بالعكس أنا كان نفسي أكون معاكو وإنتي عارفة ده كويس
سألتها تهاني من جديد
حاسة إن فيكي حاجة يا بنتي قوليلي لو في مشكلة أو ...
قاطعتها مدعية كڈبا
اطمني يا خالتي كلنا كويسين والحمدلله
ردت عليها بحنوها المعتاد
ربنا يديم عليكم فضله
يا رب
عادت تهاني لتقول
إن شاءالله لما أمك تفوق هخليها تكلمك وتطمنك بنفسها
بدا وجه تقى حزينا رغم صوتها الممتن وهي تشكرها
كتر خيرك يا خالتي دايما تعبينك معانا
علقت عليها
أنا معنديش أعز منكم يا حبايبي ربنا يخليكو ليا
ويباركلنا في عمرك
ماشي يا تقى أسيبك في رعاية الله
مع السلامة
ثم أنهت معها المكالمة لتتنهد بعدها بعمق كانت تشعر بالضيق والضجر مما يحدث مع زوجها مؤخرا حاولت دعمه قدر استطاعتها ليواجه تلك الكوارث التي تعصف بحياتهم الأسرية قررت أن تتصفح مواقع التواصل لتعرف آخر المستجدات ولم تتوقع المفاجأة الصاډمة التي تنتظرها اتسعت حدقتاها الزرقاوتان في ذهول في ذهول مرتعد وهي تقرأ ما كتب عن زوجها وما أشير إليه عنها من أخبار مغلوطة ذكرتها بما انتشر في الإعلام قبل أشهر على يد الطبيب الشهير مهاب الجندي حالة من الړعب والخۏف سيطرت عليها تسابقت دقات قلبها واضطربت أنفاسها ارتعشت يدها الممسكة بالهاتف فسقط من بين أصابعها ليرتطم بالأرضية وهي تكاد لا تصدق أن چحيم الماضي عاد ليطفو على السطح من جديد.
............................................................
توقع أن تصلها الأخبار وأن تدور في رأسها الظنون وربما يعبث الشيطان بأفكارها فيوهمها أنه بالفعل كان ېخونها لهذا حرص أن تكون على إطلاع دائم بكل ما يجري معه لتكتمل الصورة عندها عاد أوس من الخارج ليجد زوجته جالسة في الحديقة بدت وكأنها لم تره حتى صغيرتهما حياة لم تكن منتبهة لها استطاع أن يرى الدمعات العالقة في طرفيها أن يلاحظ بقوة الحزن المرسوم على تقسيماتها اقترب بثبات مشيرا بنظراته الآمرة للخادمة لتصحب الصغيرة للداخل ثم بتمهل وروية جلس إلى جوار زوجته لتنتفض قليلا مع حضوره المفاجئ لف ذراعه حول كتفيها ومال نحوها ليقبلها من أعلى رأسها ابتسمت له ابتسامة مبتورة عكست ما تشعر به بداخلها ربت على ذراعها برفق مستهلا حديثه
أكيد قريتي الكلام الجديد اللي اتكتب عني ما أنا بقيت حكايتهم اليومين دول
حدقت فيه بنظرات مطولة منكسرة لم يفهمها في البداية تابع معلقا بتهكم ساخط
بس وقت ما الحقيقة تبان مش هنلاقي حد يعبرنا بخبر
ردت عليه بفتور
هاقوم أحضرلك العشاء
وقبل أن تهم بالنهوض أوقفها أوس بالإمساك برسغها أطرقت رأسها لتنظر إلى أصابعه القابضة على معصمها زفر متسائلا بجدية
تقى اوعي تكوني مصدقة اللي بيتقال قسما بالله أنا معملتش حاجة
حاولت تحرير يدها منه لكنه كان محكما لقبضته عليها اختنق صوتها وهي ترجوه
من فضلك سيب إيدي
تعجب من حالة النفور البادية عليها فسألها بعصبية طفيفة
إنتي مصدقاهم ردي عليا!
أجابته بمرارة متهكمة كانت واثقة أنه سيستشعرها مع كلماتها
لأ إنت عمرك ما تغلط
نجحت في إيصال إحساسها إليه ببساطة فبدت جملتها الأخيرة كالخڼجر المسمۏم الذي طعنه في ظهره حدق فيها بعتاب فتحاشت نظراته نحوها وطأطأت رأسها للأسفل مقاومة إمساكه لها رفض تحريرها ليشدد من قبضته عليها نظر مباشرة في عينيها وهو يأمرها
بصيلي يا تقى
رفضت الإصغاء له فوضع يده أسفل ذقنها ليجبرها على التطلع إليه هتف بها متوسلا
اقسملك بحبنا إن رغد كدابة عمر ما كان بيني وبينها أي حاجة حتى من قبل ما أعرفك
رغما عنها لم تستطع التحكم في عبراتها التي تجمعت بكثافة اڼفجرت باكية وهي ترد
أنا عارفة ومتأكدة بس آ...
سألها بتلهف
بس إيه كملي يا تقى
تنفست بعمق لتضبط نوبة البكاء التي أصابتها ثم أجابته بصوتها المنتحب
قريت اللي اتكتب عني واللي باباك كان قاله زمان وإن جوازنا كان ....
قاطعها بتشنج وقد بدا إلى حد ما غير مدرك لما أثير في المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي
إنتي بتكلمي
عن إيه
عجزت عن التوضيح بشكل مفهوم فأعطته هاتفها ليجد شاشته شبه محطمة عبث بأزراه باحثا عن مقصدها فقرأ پصدمة الأخبار التي نهشت من سمعتها والتلميح المسيء الذي مسها تحديدا قست نظراته وتوحشت ألقى الهاتف بعصبية خلفه قاصدا تحطيمه ثم هدر مهددا
مش هاسيبهم قسما بالله لأمحيهم
كانت واثقة أنه قادر على فعل ذلك نظرت إليه بعينيها المتورمتين وكأنها تستنجد به فهم نظراتها على الفور رفع يديه إلى وجهها ليحتضنه شعرت بحرارة راحتيه على بشرتها مسح أوس بإبهاميه دمعاتها المنسابة تأملته وهو يعدها قائلا
مرات أوس الجندي خط أحمر خليكي فاكرة ده كويس
هزت رأسها دون معنى بينما تابع هو مؤكدا بلهجته المعروفة بشدتها
عمر ما حد هيقربلك وهاسيبه يمشي على رجليه إنتي تخصيني أنا وبس
احميني منهم يا أوس إنت دلوقتي سندي وضهري وكل حاجة في حياتي
ماتنسيش ميعادك مع الدكتور النفسي النهاردة جلستك
ردت عليه بخفوت
أيوه أنا فاكرة
تابع بجدية
الحراسة هاتكون معاكي ووقت ما تخلصي هيرجعوكي تمام
ماشي
قالتها بهدوء وهي مستكينة في أحضانه التي امتصت خۏفها وهدأت من روعها لكن على عكسها كان أوس كالموقد يغلي من داخله فإن صمت عن الإساءة إليه بأي شكل فهو لن يرضى مطلقا بالمساس بشعرة واحدة من زوجته أو أي فرد من عائلته دون محاسبة المتسببين في إيذائهم.
........................................................
وقفت خلفه تتابعه بنظرات مهتمة وهو يجمع متعلقاته الضرورية في حقيبة سفره الصغيرة أغلق أكرم الدرج العلوي للكومود بعد أن سحب جواز سفره وأوراقه الضرورية استدار ليواجه والدته الواقفة على مقربة منه والتي سألته بجدية تامة
خلاص هتروح عندها
أجابها بعد نفس طويل لفظه ببطء
مضطر أعمل كده رغد ماسبتش أي حل تاني قصادي
وافقته الرأي دون تعليق فتابع بضيق
طول ما هي لوحدها هتورط نفسها في مشاكل أكتر وأنا مش هاستنى لما ألاقي جناية حصلت هناك ابن عمها مش سهل ومش هايسكت عن غبائها ده
ردت موافقة إياه في الرأي
معاك حق هي زودتها الصراحة
عبست تعابيره مكملا
لأ مش سائلة فيا ولا حتى في ولادنا وهما محتاجينها أكتر مني كل اللي همها نفسها وبس!
حثته والدته على المضي قدما فيما يريد فقالت بهدوء على الرغم من جدية نبرتها
اعمل اللي إنت شايفه صح ومناسب المهم مصلحة أولادك
تصنع الابتسام وهو يشكرها بامتنان
هتعبك معايا الفترة الجاية يا ماما يعني مدارس الأولاد ومذاكرتهم والمتابعة و...
قاطعته بعتاب
متقولش كده إنت عارف هما غاليين عندي إزاي سافر يا ابني واطمن هما في أمان معايا المهم تطمني عليك أول بأول
شعر بالارتياح لوجودها لمراعاة أبنائه الصغار خاصة في الفترة القادمة التي ستتطلب غيابه والتي لا يعرف كم ستطول ومتى ستنتهي.
...........................................................
دعس بقدمه سيجارته رخيصة الثمن رغم إشعاله لها توا حينما أبصرها تسير من على بعد في الاتجاه المعاكس غامت عيناه بغضبه الاڼتقامي وتجمدت عليها تلفت منسي حوله عابرا الطريق في اتجاهها ليصل إليها لم تنتبه هالة له كان تفكيرها منصبا على مراجعة ما ستقوم به اليوم فور عودتها إلى المنزل بدت مرهقة من كثرة الاستذكار والمواظبة على أعمال المنزل التي لا تنتهي مع والدتها دائمة الشكوى والتذمر من كل ما حولها كانت تجتهد لتشعرها بأنها ليست عبئا عليها لكنها لم تكن تعلم أي نهاية تنتظرها اليوم دس منسي يده في جيب بنطاله الخلفي ليخرج منه الزجاجة الصغيرة التي احتفظ بها فيه تأكد من رفع الوشاح الذي ارتداه حوله عنقه ليخفي به أغلب ملامح وجهه متوهما عدم تعرف أحدهم عليه إن رأه يفعل ما عقد العزم عليه اقترب منها بتمهل حذر حتى بات خلفها تقريبا انتزع الغطاء ببطء وألقاه على الأرضية عاد لينظر حوله قبل أن يشرع في خطته الإجرامية وعند بقعة كانت شبه خاوية من المارة وحينما اتجهت نحو الزقاق الضيق المعتم نسبيا قرر تنفيذ ما انتواه صاح منسي مناديا بنبرة وصلت إلى مسامعها
هالة!
ارتجفت أوصالها مع سماعها لذلك الصوت المقيت الذي تبغضه توقفت عن السير وتيبست قدماها في مكانها استدارت ببطء لتتأكد مما سمعته اتسعت حدقتاها ړعبا وقد أبصرت منسي على بعد بضعة خطوات منها ونظراته تنذر بكل سوء ارتعدت أكثر وتلاحقت دقات قلبها حتى شعرت به يكاد يقتلع من بين ضلوعها تضاعف هلعها واضطربت أنفاسها ونهج صدرها علوا وهبوطا كانت كمن رأى شبحا

مخيفا عجزت عن السيطرة على جسدها وتحريك قدميها للفرار منه شلت المفاجأة المفزعة تفكيرها مؤقتا ظلت هالة واقفة في مكانها وهي تراه يقترب أكثر منها غمغم منسي غاضبا من بين أسنانه المضغوطة
أنا مش بأسيب حقي!
قرأت هالة ذلك الغل الدفين ظاهرا في عينيه بوضوح هربت الډماء من وجهها وقد انخفضت نظراتها نحو الزجاجة التي رفعها ڼصب عينيها ارتفع حاجباها للأعلى في هلع أكبر وهو يقول لها بشراسة شيطانية
وطالما مش ليا مش هاتكوني لغيري!
شلت أطرافها من فظاعة ما يهددها به تلفتت حولها كالملسوعة باحثة عمن ينجدها منه بدا المكان خاليا من الحياة تصلب جسدها

انت في الصفحة 3 من 29 صفحات