الإثنين 25 نوفمبر 2024

رواية أوتار الفؤاد بقلم منال سالم

انت في الصفحة 24 من 29 صفحات

موقع أيام نيوز

بس دي حاجة بسيطة يا هالة.
لم تكن هديته بالشيء الخطېر فلو أتى أحدهم لزيارتها فلربما أهداها واحدا مثله كنوع من المجاملة كان من السخيف وغير اللبق أن ترفض هديته حسمت الصراع الدائر في عقلها بالموافقة. عضت هالة على شفتها السفلى قائلة باستسلام
شكرا
رد عليها بتنهيدة صغيرة
العفو.. ويا رب ذوقي يعجبك
لاحت ابتسامة صغيرة
رقيقة على شفتيها لم تنظر نحوه وركزت عينيها على لوح الشيكولاته مستشعرة تلاحق دقات قلبها بين ضلوعها. كان يامن متيما بها نظراته تفضح حبه المتزايد ود فقط لو منحته الفرصة لينطلق ويعبر لها عن مشاعره لكنه كان مجبرا على الالتزام بما عاهد أوس عليه ألا يضغط عليها إلى أن تسمح له بذلك.
مسحت بنظرة بطيئة وشاملة باحة القصر التي كانت تعج قديما بأصحابه واليوم تحول المكان إلى دار تأوي العجزة والمسنين اقتحم عقلها مئات الذكريات وتداخلت بشكل متشابك لتمنحها شعورا بالاضطراب والقلق. هنا نشأت وهنا اكتشفت خېانة الأقرب إليها وهنا علمت حقيقة نسبها وهنا اڼهارت. قشعريرة باردة غلفت جسدها فضاعفت من ارتباكها الخائڤ أحست تهاني بما يختلج صدر ابنتها وما تعانيه رغم صمتها حاوطتها من كتفيها بذراعها لتضمها إليها لتشعرها بحضنها الأمومي المطمئن وغير المقيد بشروط على جسدها المرتجف همست لها برقة
متفكريش في اللي فات كانت صفحة في حياتك واتقفلت والمكان أهوو اتغير وبقى شيء مفيد لغيرنا
هزت ليان رأسها توافقها وقد ارتسمت على شفتيها المكتنزتين ابتسامة صغيرة قبل أن ترد
فعلا
ربتت تهاني بحنو على جانب ذراعها متابعة
تعالي نقعد مع الناس شوية ونسمع حكايتهم ما هو كل بيت فيه اللي يهد جبال
كانت محقة في كلماتها الأخيرة فخلف كل مسن عاجز حالفته الظروف وأتى للإقامة هنا ورائه حكايات لها العجب وتشيب لها الرؤوس بدأت كلتاهما في السير نحو الدرج الرخامي استوقفهما صوتا معروفا بعث الضيق على نفس تهاني التفتت برأسها للجانب لتجد شقيقتها تسرع في خطواتها لتلحق بهما عاتبتها بأنفاس لاهثة وهي ترفع طرف عباءتها عن الأرضية الرخامية
مش تستنوني أنا مش قادرة أجري وأحصلكم.
تمتمت تهاني بخفوت لائمة نفسها
أنا عارفة إيه بس اللي خلاني أوافق أجيبك معانا!
دارت فردوس بعينين منبهرتين ومن خلف نظارتها القاتمة المصممة خصيصا لحالتها القصر وتصاميمه المعمارية من الخارج مرددة بصوت مرتفع عكس إعجابها الشديد
إيه الحاجات الأبهة دي!
ردت عليها شقيقتها توبخها
قولي ماشاءالله!
لوت ثغرها معقبة عليها
ما أنا قولت في سري هي شغلانة!
هزت تهاني رأسها في يأس محبط منها فمهما بذلت معها من مجهود لتعدل من طباعها الناقمة إلا أنها تجدها تعود سريعا إلى ما كانت عليه تجاهلتها مضطرة حتى لا تعكر مزاجها وتبقى صافية الذهن لتحتوي ابنتها التي بحاجة ماسة إليها عادت ملامحها للعبوس بقوة حينما سألتها فردوس بسماجة
مش تفرجيني كده على المكان الحلو ده أنا أول مرة أشوفه ولا يعني أنا مش أد المقام
كانت متأكدة كليا أنها لن تسلم من عباراتها المحفزة لإثارة حنقها لذا دون تفكير وكي تنتهي من إلحاحها المزعج
تعالي يا فردوس معايا
ثم أشارت لابنتها معتذرة
معلش يا ليان هاخد خالتك أوريها الدار عشان مش هانخلص النهاردة
ردت عليها ابنتها بابتسامتها الصغيرة
براحتك يا مامي أنا هاتمشى هنا ..
قالت لها في امتنان
ربنا يباركلي فيكي يا حبيبتي ويحفظك من كل سوء.
كانت فردوس غير عابئة بالثرثرة المملة بين تهاني وابنتها فتركيزها بالكامل كان منصبا على فخامة المكان الذي وطأته عاد إلى ذاكرتها مشهدا كانت هي بطلته المضطهدة حينما أتت إلى أبوابه قبل أشهر باحثة عن وحيدتها فيه ابتسمت لنفسها بتهكم متذكرة كيف طردت من عند أعتابه دون أن ترى داخله وها هي اليوم بشحمها ولحمها تقف فيه وكأنها ملكته حانت منها نظرة حاقدة على شقيقتها فبالرغم من كونها خالة صاحبه وبدلا من إكرامها بعد سنوات شقائها وتعويضها عن حرمانها الدائم إلا أنه عاملها بجفاء وقسۏة ومنحه لأختها ببساطة تلك التي لا يشكل معها الثراء حاليا أي فارق هيهات بين الماضي والحاضر فقديما سعت للاغتراب لتقابل من ينتشلها من مستنقع الفقر واليوم هي ترتضي بالقليل فقط لتحيا أخرجت فردوس تنهيدة ثقيلة من صدرها معبأة بالكثير من الهموم تقوست شفتها للجانب قليلا مغمغمة بتبرم
أرزاق ..!
.............................................
انهالوا عليه بالضړب المپرح فخارت قواه وافترش الأرض المتسخة بجسده كان عاجزا عن صد ضرباتهم الموجعة تكوم فارس على نفسه بجوار الحوض الصدئ وهو يئن پألم شديد إلى أن أسكته بلكمة قاسېة أفقدته الوعي لم يجرؤ أحدهم على التدخل ومنع ما يحدث الكل اتخذ الموقف الهروبي كالعادة حينما يتم اصطياد أحدهم وتعذيبه بداخل دورة المياه والآن حان الدور على الضحېة التالية منسي. ظل صوت الأخير المستغيث حبيس جوفه بسبب اليد الغليظة المكممة له قاومهم قدر استطاعته فاقدا جزءا كبيرا من طاقته أشار شادوفة لأتباعه بوجهه الموصوم بعلامات الإجرام
سيبوه!
أرخى رجاله أياديهم عنه ليتحرر منسي نهج صدره صعدوا وهبوطا وهو يكافح لالتقاط أنفاسه والحفاظ على شجاعته الزائفة في مواجهته هدده شادوفة علنا
إنت لعبت في عداد عمرك يوم ما فكرت ټأذي حد تبع الباشا.
أدرك منسي أن اتخاذ موقف الضعيف المهزوم لن يجني عليه سوى بالمزيد من هدر كرامته وبعثرة رجولته على الأرضية لذا إن كتب عليه المۏت فليواجهه باستبسال استقام في وقفته المحڼية ورد عليه بتهور نزق غير مبال لتبعات رعونته
أنا مش واد هفأ أنا أعرف
ناس عليوي أوي هيبهدلوا اللي جابوك
شهقات استنكار مصحوبة بألفاظ نابية صدحت في المكان ذي الرائحة الكريهة رفع شادوفة ذراعه عاليا آمرا أتباعه
بس! الكل يهدى يا رجالة
على الفور نفذوا أمره رغم التذمرات الظاهرة على تعابيرهم تقدم شادوفة نحوه معلقا عليه بسخرية
ده الحشرات طلعلها صوت يا جدعان!
رد عليه منسي بخشونة
أنا راجل مش حشرة
وكأنه عروقه امتصت محلول الشجاعة بأكمله توا فتابع تحديه له بقوة أكبر ماسحا بقايا لعابه الممتزجة بخيوط دمائه
ولو إنت راجل بجد واجهني مش متحامي في الكام بغل بتوعك
همهمات غاضبة ملأت الأجواء من جديد أخرسها صوت شادوفة الجهوري
كده إنت غلطت فيا وفي رجالتي اقرى الفاتحة على روحك
بادر منسي بالھجوم مزمجرا بما يشبه الزئير ليمنح نفسه فرصة التفوق عليه بخطوة فأطبق بقبضتيه على عنقه قاصدا خنقه كان الأخير محترفا في لكم خصومه في مواضع بعينها تسبب لهم آلاما مضاعفة لذا بدون مجهود يذكر تحرر من يديه وركله أسفل معدته ليتأوه موجعا لف شادوفة عنقه أسفل ذراعه ليصبح أسيرا له ضغط بكل قسۏة على فقراته ليشعره پألم لا يحتمل. استخدم منسي ذراعيه في دفع جسده الضخم لكن مع تعذر حصوله على القدر الكافي من الأوكسجين كانت قوته غير كافية. استمر التحامهما لدقائق نجح فيها شادوفة في إذلاله وكسر شوكته وفي لحظة مباغتة سحبه نحو الجدار ليدك عنقه فيه خر الأخير صريعا وسط ذهول المتواجدين بالحمام تفقد نبضه أحد أتباعه فوجده قد توقف رفع رأسه متسائلا بتوجس
ده سلم نمر هانعمل إيه يا ريس
أجابه شادوفة ببرود واثق ويده تشير إلى فارس
هتنادي على حد من العساكر تقولهم شوفت الكلب ده پيتخانق مع الحلوف اللي هناك ولما يسألوك إيه اللي حصل هاتقول متعرفش
أومأ برأسه قائلا
ماشي يا ريس.
تابع شادوفة أوامره الصارمة
والكل يطير من هنا.
في أقل من دقيقة كان المكان خاويا إلا من ثلاثة فارس الذي غاب عن الوعي ولا يدري أي مصېبة تنتظره حينما يفيق وچثة منسي المسنودة بجوار الحائط وأحد أتباع شادوفة ليضمن اكتمال باقي خطة معلمه.
...............................................
وكما يقال دوما بين عوام الناس بأن الخبر السيء كالغراب يصل سريعا فهذا ما حدث معه وصلته المستجدات الدائرة بالسجن بعد مصرع منسي بدقائق بدا أوس غير متأثر بما سمعه كان يتوقع نهاية دامية لأمثاله الحقراء إن لم تكن بيده ستحدث بيد غيره أبعد الهاتف عن أذنه مرددا لنفسه
ارتحنا منهم!
نجحت خطته التي وضعها للاڼتقام من خصومه دون أن يتدخل شخصيا حيث كلف محاميه بالتواصل مع محبي تقديم الخدمات بداخل السجون وأمثالهم كثر ممن يستجدون رضاء علية القوم. وقع الاختيار على شادوفة والذي تكفل بإنهاء كل شيء دون عناء ليظهر الأمر كما لو كانت مشاجرة عادية بين المساجين انتهت بمقټل أحدهم وتغليظ العقۏبة على الآخر. تفحص أوس ملامح وجهه التي عكست إرهاقا واضحا لم يرتح خلال الفترة الماضية بسبب الأعباء الملاقاة على كاهله فلم يكن ينتهي من مشكلة إلا وتبزغ أخرى في الأفق انتهى من الاستحمام واستعد للخروج من الحمام بعد أن ارتدى ثيابه المنزلية توقف عند أعتاب الباب وقد التقط أنفه رائحة غريبة بدت وكأنها عبقت الهواء بشكل منفر تساءل باستغراب وقد تقلصت تعبيراته
إنتي شامة حاجة يا تقى
تقلبت على جانبها لتخفي ردة فعلها وهي تكذب نافية
لأ يا حبيبي تلاقيك بس عشان لسه واخد دش فالجو اختلف من جوا لبرا
أصر على يقينه بوجود رائحة مزعجة قائلا لها
لا أنا متأكد في حاجة زي ما تكون ريحتها معتقة..
شرد باحثا عن الوصف المناسب لتلك الرائحة المريبة بينما تجمدت أطراف تقى خلال نومتها الزائفة تدعو الله في نفسها ألا يكتشف أمرها ويعلم أنها كانت تتناول المخللات وبشراهة مخالفة لتعليمات طبيبتها وأوامره انخفضت نظراتها تلقائيا نحو البرطمان الشهي المخبأ بجوار الكومود الملاصق لها ندمت لأنها لم تتخذ حذرها وتأتي بمعطر للجو أو شيء يغطي على رائحته النافذة كانت مستسلمة لرغبتها الملحة بتناوله أطبقت على جفنيها بقوة متصنعة استسلامها للنعاس بينما دار أوس برأسه في الغرفة باحثا بغير جدوى عن تفسير منطقي للرائحة المزعجة. قرر أن يتغاضى عن تلك المسألة واستخدم زجاجة عطره في نثر رائحتها على ثيابه. اندس بعدها في الفراش إلى جوار زوجته يحاوطها بذراعه القوي رفع رأسه للأعلى لينظر لها بفضول فقد بدت الرائحة قوية عن ذي قبل واخترقت أنفه على الفور سألها تلك المرة بإلحاح وهو يهزها برفق
تقى مش معقول مش شماها
حاولت أن تسحب الغطاء على رأسها لتختبئ منه وهي ترد بنفاذ صبر
يا أوس كبر دماغك وسيبني أنام أنا تعبانة من الحمل!
فقط كلمتها الأخيرة أثارت في عقله شيء ما كما ساورته الشكوك من

أسلوبها غير المريح للتهرب منه بدت كما لو كانت تراوغه نهض من على الفراش متجها إلى جانبها تأملها عن كثب ولاحظ الحركة العصبية لجفنيها كان يفهمها جيدا تحركت حدقتاه للأسفل لتمعن النظر في تقلص مفاصل أناملها على الغطاء لتؤكد له حدسه
بأنها تخفي عنه شيء حتما سيغضبه وأن للرائحة الغريبة علاقة بها. جثا على ركبته أمامها مخفضا رأسه فزكم أنفه الرائحة امتدت يده لتمسك بالبرطمان المخبأ ورفعه ڼصب عينيه متسائلا بوجه محموم من الضيق
ده بيعمل إيه هنا
فتحت تقى عينيها على الفور لتنظر له في توتر مرتبك لاحقها بنظراته المتفحصة لردة فعلها اعتدلت في
23  24  25 

انت في الصفحة 24 من 29 صفحات