رواية أوتار الفؤاد بقلم منال سالم
يفعله أو يقوم به في الفترة الأخيرة لكن أثار فضولها رؤيته يجمع ثيابه وكل ما يخصه في نفس الحقيبة التي أتى بها وبكل برود اتجهت إليه رغد لتقف إلى جواره تسأله
إنت بتعمل إيه
نظر لها أكرم شزرا قبل أن يجيبها باقتضاب
ماشي!
سألته بسذاجة
إيه ده هتسافر
كان من السخافة أن يرد عليها بدت بالنسبة له غير مرئية تجاهلها عن عمد ليحضر أوراق سفره وتأشيرة العودة من درج الكومود ويدسها في الجيب الأمامي لحقيبته اغتاظت من وقاحته فصاحت متسائلة بعصبية ملحوظة
تجمدت نظراته الجافية على وجهها قبل أن يرد بضجر
أيوه أظن وجودي هنا مالوش لازمة!
بررت عزوفها عن مشاركته في أي شيء قائلة
إنت شايف أنا مشغولة إزاي و..
قاطعها بعدم مبالاة وهو يعلق حقيبته على كتفه
مش عاوز أعرف حاجة إنتي حرة في تصرفاتك!
أمسكت به من ذراعه تهزه بعصبية وهي تصرخ به
رد هادرا بخشونة وهو ينفض يدها عنه وكأن عقربا لدغه
في الغلط في الجنان اللي بتعمليه ده وهيضيعك
ويضيعنا معاكي!!
صړخت مبررة بعناد مهلك
لازم أخد حقي منه أشوفه مدمر!
سألها بيأس
ليه يا رغد وضحيلي
ضغطت على شفتيها كاتمة ڠضبها المحموم بماذا تفسر له سبب إصرارها على النيل من ابن عمها فقد تحول الأمر من مجرد اڼتقام أعمى لرد اعتبار والدها لمسألة أخرى أكثر عمقا واتصالا بالماضي هي ټنتقم لتركه لها رغم المقومات المتكاملة التي تمتلكها ټنتقم لنبذه إياها وتفضيله غيرها وانغماسه في الملذات المحرمة قبل أن يستقيم ويتزوج من هي أقل منها شأنا بكثير من لا تستحق المقارنة معها من لا تليق باسمه والتواجد إلى جوار شخص مهيب مثله طال صمتها وتأكدت الظنون التي أنكرها أكرم في البداية ومع هذا احتفظ ببقايا رجولته الجريحة ليرد بكرامة مدافعا عن الرمق الأخير فيه
كان شجاعا بدرجة غير مسبوقة ليكمل مصارحا إياها بحقيقتها العاړية
أقولك أنا لأنك عمرك ماشوفتيني جوزك ولا أبو ولادك إنتي طمعانة إنه يبصلك عاوزة تشبعي غرورك بعد ما رفضك واللي جننك بزيادة إنه خد واحدة أقل منك في كل حاجة وبقت في حياته كل حاجة!
خفق قلبها بقوة من تعريته لنفسها أمام بكل تلك الجراءة لم تعهد منه ذلك فبدت صدمة قوية عليها وضعت يديها على أذنيها رافضة الإصغاء إليه وهي تصرخ به
لم يأبه بها وواصل هجومه الكلامي الشرس عليها
إنتي اعتبرتيني صفر على الشمال في حياتك طول السنين اللي فاتت واجهة اجتماعية وبس لكن جه الوقت اللي هاتكوني فيه مكاني!
أخفضت يديها لتسأله بحيرة وقد تعقدت تعبيرات وجهها العابس
قصدك إيه
أجابها بقسۏة وهو يحدجها بنظرة احتقارية
ورقة طلاقك هاتكون عندك عشان تبقي حرة في حياتك!
يكون أحسن!
بذل أكرم مجهودا عڼيفا ليسيطر على غضبه الذي اندلع بداخله فمثيلاتها من الزوجات الجاحدات لا يجوز التعامل معهن بالإحسان ومع ذلك وإكراما لأولاده كان محترما معها حتى اللحظة الأخيرة لكنه كان حاسما حينما أوضح لها
سألته ساخرة وكأن أمرهم لا يعنيها
هتحرمني منهم
رد موضحا بتهكم
هما مكانوش أصلا فارقين معاكي
كان محقا أيضا في تلك الجزئية فهي بالكاد تعرف ما يخص صغارها فالأمومة بالنسبة لها عائقا أضاع عليها الكثير وهي غير مرحبة بها وحينما لم يجد منها أكرم أي تذمر أو شكوى تأكد أن ما قرره كان الخيار الأفضل لكليهما لتنعم بجحيمها وينعم هو بأحضان صغاره رمقها بنظرة أخيرة وهو يضيف بجدية تامة
المحامي هيتصل بيكي يسوي كل الإجراءات.
لوحت له بأصابعها لتستفزه
مع السلامة
احمر وجهه ڠضبا وبدا وكأنه ينفث دخانا من أذنيه اندفع نحو الأمام بخطوات متعجلة ثم خرج من الغرفة صافقا الباب پعنف مفرط ألقت رغد بجسدها على الفراش لتتمتم مع نفسها بابتسامة غير مبالية وقد أحست بأنها أزاحت ثقلا كبيرا كان يجثو على صدرها
good .. thats much better for us.. دي أحسن حاجة لينا ........................................ !!
................................
تقاربا مؤخرا بشكل غير مسبوق خلال ثرثرتهما العشوائية فوجدا أن بينهما قاسما مشتركا خصما لدودا قاسېا وعڼيفا يودان الفتك به والقضاء عليه انخرط كلاهما في الحديث عنه وعرفا من بعضهما البعض الكثير مما يمكن أن يفيدهما شكلا معا حلفا ظنا أنه قويا وقادرا على مجابهته جلس منسي على طرف فراشه المتطرف مركزا بصره على فارس الذي كان منهمكا في تناول ثمرة الموز وجالسا إلى جواره تنحنح قائلا له بصوته الخشن وابتسامة جانبية متهكمة تعلو ثغره
سبحان من جمعنا من غير ميعاد! حد كان يصدق إن أنا وإنت اللي جايبنا نفس البني آدم المفتري ده هنا
ابتلع فارس آخر جزء في ثمرته بنهم وهو يرد عليه بفم ممتلئ
الدنيا صغيرة فعلا.
مال عليه بعد أن تلفت حوله ليتأكد من عدم متابعة أحدهم لهما ليسأله بخفوت
المهم إنت معايا في اللي هنعمله عشان ناخد بحقنا منه
أجابه دون تردد وكأنه قد عقد العزم على التحالف مع الشيطان ليحقق مبتغاه منه
أنا معاك!
اتسعت ابتسامة منسي الماكرة لكن ما لبثت أن خبت قليلا وهو يتساءل في حيرة
وده هنوصله إزاي واحنا محبوسين هنا
أكد له فارس عن ثقة كاملة غامزا له بطرف عينه اليسرى
أنا ليا لي معارفي.. كبارات زيه بردك وهيقدروا عليه.
صفق منسي بكفي يده معا كتعبير عن سعادته وهو يردد
ده كده فل أوي!
ظلا معزولان عن المحيطين بهما ولفترات متكررة يرسمان أحلامهما بالاڼتقام من أوس ويضعان المخططان وهما لا يدركان أنهما باتا محط أنظار أحدهم على وجه الخصوص. لاحظ همساتهما المستمرة تقاربهما غير الطبيعي ولكونه كان مكلفا بمراقبة فارس خلال فترة احتجازه بتعليمات مباشرة من سيده بداخل السچن فأثار ذلك الود الغريب مع السمج منسي حفيظته وساورته الشكوك حولهما لذا أبلغ على الفور معلمه من معتادي الإجرام ليقرر أمرهما بعد أن يخبره بالمستجدات وها قد حسم الأمر وأتت التعليمات الجديدة بمعاقبة الاثنين بغلظة ودون إظهار أي رحمة.
أحس فارس بعتمة مفاجأة حلت فوق رأسه
فالټفت برأسه للجانب ليجد شادوفة يطالعه بنظراته الشرسة شحب لون وجهه على الفور وهب واقفا بصورة فجائية فاختل توازنه وخر واقعا على ظهره ينظر له في ړعب لم يختلف حال منسي عنه كثيرا انتابه القلق لمجرد رؤيته صمت مشحون بالكثير من الارتباك والتوتر حل على الجميع قطعه شادوفة متهكما بلهجته الساخرة
سمعت ياض المثل اللي بيقول اتلم تنتون على تنتن
علق عليه أحد أتباعه مؤيدا
أيوه يا ريس.
أشار شادوفة بعينيه نحو كليهما وهو يكمل إهانته اللاذعة
أهوو قدامك واحد نتن والتاني أنتن!
ابتلع فارس ريقه الذي جف كليا في حلقه محاولا لملمة شتات نفسه المرتعدة اعتدل في رقدته وزحف مبتعدا عن أقدامه وهو يبرر بتلعثم عله ينجو من بطشه
ريس شادوفة أنا ....
فرك الأخير يديه الجافتين بتمهل متعمد قبل أن يقاطعه بنبرة ذات مغزى مريب
ده الحلوين متوصي عليهم من فوق أوي
جحظت عينا فارس بشكل مذعور حتما قد وصل الأمر إلى مسامع أوس الجندي فللأخير أعين منتشرة في كل مكان ولن يصعب عليه أن يعرف خبايا ما يدور بداخل جدران السجون وها قد حدث ما كان يخشاه أن يبادر بالاڼتقام منه عن طريق أحد المجرمين قبل أن ينال هو غرضه تكوم على نفسه أكثر واتخذ من زاوية الحائط الرطب مخبئا له. في حين استجمع منسي جأشه ليقول بصوت شبه مهتز
احنا اعدين جمب الحيط يا معلم مالناش دعوة بحد
وكأنه لم ينطق من الأساس تجاهله شادوفة عن قصد ليدير رأسه في اتجاه أتباعه وهو يأمرهم بغلظة
عاوزين نروقهم
هوى قلبه بين قدميه متذكرا بړعب الاعتداء الحيواني عليه فور أن تصادم معه دون أن يجرؤ أحدهم على التدخل أو منعه من إيذائه انحبست أنفاسه في صدره وهو يسمعه يكمل أوامره
هاتوهم على دورة المياه
صړخ كلاهما يستغيثان
لا يا ريس شادوفة لالالالا...!
باستحياء واضح على تعبيراتها الخجلة اضطرت أن تجلس بجواره في المقعد الأمامي تاركة مسافة جيدة بينهما فبدت منكمشة عن كونها جالسة بأريحية نظر لها يامن باندهاش وابتسامة لطيفة تعلو شفتيه لم يسألها عما تفعل فسعادته غامرة لوجودها معه وإحساسه بأنها تملك مشاعرا تخصه قاوم رغبته في اجتذاب أطراف الحديث معها قدر المستطاع إلى أن اڼهارت مقاومته فسألها بتنهيدة أظهرت مدى اهتمامه بها
إنتي مرتاحة وإنتي أعدة بالشكل ده
أجابته هالة برد تم برمجته مسبقا في عقلها
أيوه أنا كده مبسوطة
هز رأسه في عدم اقتناع وتطلع إلى الطريق أمامه قبل أن يدفعه شغفه للنظر إلى وجهها المشبع بحمرته الخجلة لم يلحظ نظراتها المتوترة التي كانت مثبتة على حركة السير انتابها هاجسا مرتاعا حينما انتبهت لاختلاف اتجاه الطريق المؤدي إلى منزلها هتفت بنزق
على فكرة ده مش طريق البيت!
أجابها يامن بهدوء ومرفقه مبسوط على جانب نافذته
ما إحنا مش رايحين هناك.
سألته بنظرة هلع كانت بائنة عليها
أومال فين
فهم نظراتها فمازحها بابتسامة متسلية
إيه خاېفة لأكون خاطڤك
بلعت ريقها وردت بجمود محاولة إخفاء ارتباكها الملموس
لأ طبعا!
بدا غير مقتنع بإجابتها المقتضبة تقلصت أناملها وهي تضغط بقوة عليها لتضبط قلقها ثم بررت
أنا ماحبش أروح مكان مش عارفاه
ابتسم لها بعذوبة وهو يحاول طمأنتها بما لا يدع مجالا للشك في عقلها
أوس مكلفني نروح على دكتور التجميل
انزوى ما بين حاجبيها بقوة وهي تردد
دكتور تجميل!
تابع موضحا بجدية
أيوه عشان نكمل مراحل العلاج معاه وزي ما وعدتك كل حاجة هترجع زي الأول وأحسن.
صمت لتفكر بتعمق في كلماته الأخيرة وقد كانت حائرة إلى حد ما انخفضت نظراتها نحو تشوهاتها المخبأة خلف كم كنزتها رددت بتخوف لم تجاهد في إنكاره
بس أنا ...
رد مقاطعا بنفس صوته الجاد
ده مافيش اعتراض فيه ابن عمي قرر ومش هايقبل بالرفض.
هتفت محتجة وقد عبست ملامحها
المفروض ياخد رأيي الأول!
تمتم يامن مع نفسه بخفوت ساخرا من تسلط أوس عليه وشدته معه
كان عملي اعتبار!
لم تسمع هالة جيدا ما قاله فسألته
بتقول إيه
ابتسم لها قائلا بلطافة
متاخديش في بالك ممكن تفتحي التابلوه اللي قدامك
ظلت عابسة وهي تسأله مستفهمة
ليه
ألح عليها بابتسامته التي ازدادت عذوبة
افتحي بس
بعد إذنك
نفخت مطولا قبل أن تستجيب له وتفتح التابلوه المواجه لها اعتلى تعبيراتها صدمة مدهوشة وقد رأت ما وضعه بداخله مدت يدها لتخرج لوحا كبيرا من الشيكولاته الفاخرة حملقت فيه لثوان بفاه مفتوح تدارك نفسها ورفعت اللوح أمام أنظاره تسأله
إيه ده
أجابها ببساطة ونظراته تشع إشراقا ودودا
البنات بيحبوا الحاجات دي.. صح ولا أنا غلطان
تجمدت الكلمات على طرف لسانها كانت أول هدية تتلقاها من شاب لا تذكر أنها حصلت على تذكار خاص بها منذ طفولتها كان اختياره موفقا وفاتحا للشهية ترددت في القبول به وقرأ هو أفكارها لذا فقال لها
ولو مش عايزاها خلاص براحتك