السبت 23 نوفمبر 2024

أمرأة العُقاب ل ندا محمود

انت في الصفحة 4 من 96 صفحات

موقع أيام نيوز

وآن قلبها ېتمزق ألما كلما تراها حزينة هكذا من فراق أبيها وشوقها له وبنفس اللحظة تخشي أن تتصل به فيعرف مكانهم .. الهروب ليس من شيمها أجل لكن حين يتعلق الأمر بصغيرتها هي على استعداد أن تفعل أي شيء من أجلها .
حين يتصرف الولدين بأنانية وعدم حكمة ورزانة يكون الضحېة الوحيدة بينهم هو الطفل .
وهذا ما حدث بالضبط .. كل منهم فكر في طريقة تروق له حتى يكون مع صغيرته ولم يفكروا بماذا تريد هي وكانت النتائج هكذا تجلس الطفلة حزينة تعاني من اشتياقها لأبيها ولا تقوى على فعل شيء سوى الاستماع لحجج والدتها الواهية في غياب أبيها عنهم وابتعادهم عن منزلهم لكل هذه الفترة الطويلة ! .
تنهدت جلنار بعدم حيلة واقتربت من ابنتها تقول بخفوت 
هنا .. هنكلم بابا بس بشرط 
تهللت أساريرها فورا وقالت بفرحة غامرة 
إيه هو 
مش هنقوله احنا قاعدين فين .. لأن كدا المفاجأة اللي احنا عاملينها ليه هتبوظ 
هنا باستغراب 
مفاجأة إيه 
أجابت جلنار بابتسامة عذبة 
مش بابا عيد
ميلاده قرب احنا هنعمله مفاجأة حلوة وهنرجع البيت في يوم عيد
ميلاده عشان يتفاجيء بينا لكن لو قولناله مكانا هياجي هو والمفاجأة هتبوظ
وثبت الصغيرة فرحا على الأريكة بمجرد سماعها لجملة والدتها حول عودتهم القريبة إلى منزلهم الأصلي وقالت بإيجاب في ابتسامة ماكرة وهي تغمز لها 
مش هنقوله 
أمسكت جلنار بهاتفها وطالعت صغيرتها بابتسامة متوترة بدأت دقات قلبها تتسارع وصوت بعقلها يلح عليها بطريقة مرهقة للأعصاب تراجعي لا تفعليها !! .. ستندمين صدقيني كانت على وشك التراجع بالفعل لكنها لم تفعلها على آخر لحظة فقط من أجل صغيرتها التي تتحرق شوقا لمحادثة والدها بعد غياب شهرين وربما حتى هي التفكير بأنها ستحادثه بعد كل هذا الغياب أربكها .
كان عدنان بمكتبه الخاص في المنزل يمسكبالدموع .. كانت دمعة تقف على أعتاب جفنيه وما منعها من النزول سماعه لصوت رنة مميزة خرجت من هاتفها كانت رنة أحد تطبيقات السوشيال ميديا ضيق عيناه بريبة وأمسك بالهاتف يحدق في اسم المتصل بدهشة حيث كان الملف الشخصي الخاص بزوجته رفرف قلبه بتلهف امتزج بالڠضب المدمر وأجاب فورا بصوت جهوري 
جلنار أااا ...
توقف عن الكلام ودخلت السکينة لصدره وكأن الحياة أعطته فرصة جديدة ليحيا وهو يستمع لصوت فتاته وهي تهتف بفرحة
وحشتني أوي يابابا 
لاحت الابتسامة الأبوية والحانية على شفتيه ليحيبها بصوت ضعيف بعد أن تلألأت العبرات في عينه 
وإنتي كمان ياهنايا وحشتيني أوووووي .. عاملة إيه ياقلب بابا .. إنتي كويسة 
أخذت جلنار الهاتف من على أذنها وضغطت على زر فتح محادثة الفديو ثم أعطتها الهاتف مرة أخرى وهمست في أذنها بصوت منخفض 
قوليله افتح الفديو
يابابا 
قالت هنا بحماس طفولي وصله في صوتها تردد ما قالته لها والدتها 
افتح الفديو يابابا 
انزل الهاتف من على أذنه فور سماعه لجملتها وضغط هو الآخر على زر محادثة الفديو فانفتح الفديو .. رأى صغيرته وهي تحدق بشاشة الهاتف التي تراه فيها وهي تضحك بسعادة فاتسعت ابتسامته أكثر وكانت جلنار تجلس بجانب صغيرتها تتابع انفعالات وجهه لوهلة شعرت بالندم الحقيقي والإشفاق على وضعه ترك لحيته حتى ڼموت وكبرت وظهرت الهالات السوداء أسفل عيناه التي توضح عدم نومه المنتظم من فرط التفكير والحزن .
لكنه لا يزال تماما كما اعتادت أن تصفه كالعقاپ قوى في نظراته وصلب وشامخ حتى في أشد لحظات ضعفه ولطالما كانت ترى عيناه الواسعة تشبه عيني العقاپ في حدة نظرها وفي لونها البنى الغامق وحاجبيه المقطبين مما يعطيه مظهرا رجوليا مثيرا .
هتف عدنان بتلهف 
إنتوا فين ياحبيبتي 
مش هينفع عشان المفاجأة 
مفاجأة إيه ! 
نظرت هنا لأمها التي هزت سبابتها ورأسها بالنفي تحذرها من أن تخبره بشيء لاحظ عدنان وجود جلنار بجانب ابنته فقال بصوت غليظ ومستاء 
اديني ماما يا هنا 
حولت شاشة ناحية أمها فانتفضت جلنار فورا من مكانها تبتعد عن الكاميرا ثم جذبت الهاتف من يد ابنتها واخفت الكاميرا بكفها فسمعت صوته الخشن وهو يحاول تمالك أعصابه حتى لا تسمعه ابنته ويقول بلهجة صارمة 
ابعدي ايدك من على الكاميرا ياجلنار 
هبت جلنار واقفة واتجهت إلى الغرفة وأشارت لأبنتها أن تنتظرها بمكانها وستعود لها أغلقت الباب وازاحت يدها من على الكاميرا ولكنها أبعدت الهاتف من أمام وجهها وقالت بصوتها الرقيق المعتاد 
انا اتصلت بس عشان هنا .. كانت زعلانة وعايزة تشوفك وتكلمك لأنك وحشتها 
اخدتي بنتي ورحتي بيها فين 
كان سؤال صريح ومحتدم منه لتجيبه هي بهدوء مستفز 
والمفروض إني اقولك عشان تاجي وتاخدها مني زي ما اتفقت مع بابا 
سمعت صيحته العالية التي خرجت من سماعة الهاتف 
مش إنتي رغبتك كانت الطلاق وصمتتي عليه .. كنتي متوقعة إني هسيبلك بنتي 
انفعلت هي الأخرى لتصرخ به في عصبية 
دي مش بنتك وحدك .. دي بنتي أنا كمان وأنا أمها ومن حقي تعيش بنتي معايا خصوصا وهي في السن ده 
استشاط غيظا وصړخ بها مغتاظا 
جيبي الزفت التلفون ده على وشك مش بكلم نفسي أنا 
عدلت الهاتف ووجهت الكاميرا على وجهها لتصيح به في وجه أحمر من فرط الغيظ 
متزعقليش فاهم ولا لا 
تمعن للحظات في صورة وجهها الظاهرة أمامه في الهاتف وشعرها الناعم الذي ينسدل على كتفيها بانسيابية ووجهها الأبيض البريء والجميل وبعد أن امتصت رؤيته لها غضبه عاد يظهر على ملامحه من جديد وهو يهتف بنظرة ڼارية بعد أن وقعت عيناه على شفتيها المزينة بأحمر شفاه من اللون البنفسجي 
حاطة الروج ده ليه ! 
قالت بقرف وهي تقصد إشعال نيرانه أكثر 
عشان بخونك 
خرجت صيحة عڼيفة منه كانت كافية لتوضح أنها نجحت بكلمتين فقط أن تثير جنونه 
جلنار 
صاحت هي الأخرى باندفاع 
في إيه !! .. مش لما تسأل أنت الأول أسئلة منطقية هبقى ارد عليك
كويس 
مسح على وجهه وهو يتأفف بقوة وبنفاذ صبر ليسأل للمرة الثالثة على التوالي 
آخر مرة هسألك .. إنتي فين 
جلنار بعناد وبنظرة متشفية 
مش هقولك ياعدنان وخليك كدا عشان تجرب الاحساس اللي كنت هتخليني احسه لما تاخد بنتي مني ولما تعرف أن الله حق وإنك أناني ومش بتفكر غير في نفسك سعتها هبقى اقولك احنا فين 
ولما تنتظر أن تستمع لرده الذي كان سيستمر في صياحه عليها حيث ضغطت على زر إنهاء المحادثة والقت بالهاتف على الفراش ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بابتسامة متشفية ومتغطرسة 
احسن أنت تستاهل أصلا تقعد محروم من بنتك كدا لفترة عشان تبطل نرجسيتك دي خليك على ڼار لغاية ما تتربي شوية .. مبقاش أنا جلنار الرازي أما ربيتك ياعدنان
بينما هو فألقي بالهاتف پعنف على سطح المكتب وهتف بوعيد حقيقي وهو يجز على أسنانه بغيظ 
ماشي ياجلنار وحياة أمي لأوريكي النجوم في عز الضهر بس الاقيكي
في مساء ذلك اليوم....
تتابع الطريق بصمت من نافذة السيارة .. وكل آن وآن تلقى نظرة خاطفة على الجالس بجوارها في مقعد القيادة لا تصدق أنها قضت اليوم كاملا معه تساعده في كل شيء ويتبادلون أطراف الحديث بتلقائية لم تكن تصدق أنها ستتحلى بها أمامه .. رغم أنها كانت ساعات مرهقة للأعصاب إلا أنها سعدت جدا بها وبقربها الجديد منه .. وكعادته كان لطيفا ومرحا يشعر بارتباكها منه فيحاول امتصاصه بشكل غير مباشر حتى تمكن بالأخير من فك قيود حيائها ! .
سمعت صوته الرخيم ليجذبها من شرودها 
زينة تلفونك بيرن !! 
انتبهت لاهتزاز هاتفها في يدها وصوته الصاخب فأجابت فورا على والدتها 
أيوة ياماما 
إنتي فين يازينة .. ليه اتأخرتي كدا ! 
نظرت لآدم بابتسامة صافية ثم أجابت على أمها بصوت خاڤت 
كنت مع آدم يا ماما في المعرض
وجاية في الطريق أهو معاه 
طيب ياحبيبتي وسلميلي عليه أوي الندل ده 
وصل صوتها في الهاتف إلى أذنه فقهقه عاليا وقال بصوت عالي حتى يصل لها 
ربنا يخليكي ياخالتو ياحبيبتي .. جهزي عشا حلو بقى من إيدك الحلوة عشان الندل هيتعشى معاكم النهردا 
انزلت زينة الهاتف وفتحت مكبر الصوت ليسمع صوت خالته وهي تقول بفرحة 
ده بجد ياولا .. تتحسد يا آدم من عنيا هجهزلك احلى عشا وخلي أسمهان تولع فيا وفيك بقى 
لا متقلقيش عدنان وفريدة هيتعشوا معاها النهردا مش هتتعشى وحدها 
طيب الحمدلله .. يلا توصلوا بالسلامة 
أعادت زينة الهاتف إلى أذنها وودعت والدتها ثم اغلقته وبذهنها صراعات عڼيفة ستقضي المزيد من الوقت معه وهذا يعني المزيد من الاضطراب .. جذبها بصوته للمرة الثانية ولكن بنبرة متعجبة 
إنتي لحقتي تسرحي تاني يابنتي ! 
ابتسمت وهتفت بتلعثم 
م.. معلش أصل بفكر في كام حاجة فعشان كدا سرحت .. صحيح قولي مفيش أخبار عن جلنار وهنا يا آدم 
تنفس الصعداء وهتف بعبوس 
للأسف مفيش .. محدش عارف يوصلهم وعدنان من كتر الهم والزعل بقى شخص تاني تماما 
زمت شفتيها وقالت بإشفاق 
طبيعي هو متعلق بهنا أوي وجلنار غلطانة جدا في اللي عملته 
آدم بخنق 
أنا رغم ضيقي منها وڠضبي على اللي عملته إلا إني برضوا مديها العذر وشايف إن عدنان يستاهل يجرب بعده عن بنته بيتعب إزاي بعد ما كان عايز ياخد بنتها منها
أصدرت زينة زفيرا حارا وقالت بنبرة رقيقة وكلها ثقة 
هترجع أنا واثقة هي شكلها بس محتاجة تاخد شوية وقت عشان تعرف هتتصرف إزاي بعدين مع أخوك 
خرجت تنهيدة قوية من آدم وهو يجيب بتمنى 
يارب يازينة .. البنت المفعوصة الصغيرة وحشتني أوي والله
طالعته بابتسامة واسعة في حب غير منتهبة لنظرتها وسرعان ما اشاحت بوجهها للجهة الأخرى بتوتر بعدما وجدته لاحظ نظرتها .
قبل أربع سنوات ....
في عريس متقدملك 
لاحت بشائر الابتسامة العريضة على شفتيها لترد على أبيها بحياء بسيط 
عريس مين ده يابابا 
خرج صوت نشأت خشن وصلب 
عدنان الشافعي 
سكنت للحظات تستعيد ذلك الاسم في ذاكرتها .. أين سمعته ومتى رأته ! فقذفت صورته في ذهنها فورا ولترتفع الصدمة على محياها وهي تقول 
مش ده اللي كنت شريك معاه في صفقة من فترة .. واعتقد أنه متجوز صح ! 
هز رأسه بإيجاب وقال بحزم 
آه بس مراته مش بتخلف 
تمتمت جلنار بنظرات كلها ريبة وحيرة من طريقة أبيها وهدوئه الغريب 
وإنت بتعرض عليا حاجة زي إزاي يا بابا أنا لا يمكن اوافق واتجوز واحد متجوز
يبدو أنها فهمت صيغة الحديث بشكل خاطيء فهو لم يكن يعطيها حرية
الموافقة أو الرفض بل كان يخبرها بما سيحدث خلال الأيام القادمة .. فرصة كهذه مع إمبراطورية الشافعي
لن يضيعها مهما حدث ولا يهتم بنقطة زواجه .. كل ما يهمه أن ذلك الزواج سيعود عليه بالنفع ولن يسمح لابنته بأن تخربه .
نشأت

انت في الصفحة 4 من 96 صفحات