أوتار الفؤاد أوس ل منال سالم
الشاردة والتحديق في الفراغ لوقت طويل خشيت تقى عليها من أن تنساق مجددا نحو دوامة الاكتئاب الذي بالكاد تعافت منه وما إن شاهدهما عدي حتى ترجل من سيارته ليستقبل زوجته ببسمة لطيفة تحاشت ليان النظر نحوه كان إحساسها بالذنب متمكنا من كل جوارحها مما جعلها غير قادرة على التطلع إليه أو حتى الاسترسال في الحديث معه استلت ذراعها بهدوء من تقى لتستقل السيارة قبل أن يفكر عدي في تقديم المساعدة لتصيبه بالإحباط مجددا من تصرفاتها الجافة معه مؤخرا والتي تؤكد له عن يقين بائن عزوفها عنه ظل يلاحقها بنظرات حزينة مزعوجة عكست حيرته وضيقه في نفس الآن حتى انتزعه من إمعانه بها صوت تقى القائل
رد عليها بزفير ممتعض
أنا مقدر ده كله بس يا ريت هي تديني الفرصة وإنتي شايفة بنفسك هي عازلة نفسها عننا
ضغطت على شفتيها في أسف كان محقا في قوله ومع ذلك بررت تصرفاتها قائلة
معلش كله هيعدي وبيتهيألي الرحلة اللي طالعينها هتفرق معاها
أومأ برأسه متمتما
أتمنى ده
تصنع الابتسام ليردد بامتنان
شكرا يا تقى على تعبك معانا أنا مش عارف أقولك إيه المفروض إنتي ترتاحي الفترة دي و...
قاطعته بعتاب رقيق
متقولش كده ليان مش مراتك بس دي بنت خالتي الغالية إنت نسيت ولا إيه
حافظ على ابتسامته الباردة قائلا
تنحنحت متابعة بخفوت
هاروح أشوف أوس عن إذنك
أشار لها بيده معقبا
اتفضلي
تابعها للحظات حتى وصلت إلى سيارة أوس ثم استدار متجها إلى سيارته ليركب بجوار زوجته وما إن رأته ليان يقترب منها حتى انكمشت على نفسها وأشاحت بوجهها بعيدا عنه ليشعر بغصة مريرة ټضرب حلقه تحلى عدي بالصبر وتنفس بعمق ليحافظ على هدوئه معها فهو بالكاد يحاول التأقلم مع حالتها النفسية المضطربة مؤخرا.
على الجانب الآخر ألقت تقى نظرة خاطفة على الخدم المرابطين أمام زوجها في انصياع تام وهو يلقي على مسامعهم أوامره الصارمة لوحت بيدها للخادمة ماريا التي جلست بالخلف في السيارة لتبقى بجوار ابنتها الصغيرة استدارت برأسها نحو أوس راسمة على محياها ابتسامة رقيقة وضع الأخير ذراعه حول كتفي زوجته ليحاوطها ويضمها إلى صدره وفي نفس الوقت يجبرها على السير معه نحو سيارته رفعت رأسها لتنظر إليه عن قرب قبل أن تهمس بشفتيها
أجابها بثقة ليبدد مخاوفها الواضحة في عينيها الزرقاوتين
كلنا محتاجين ده يا حبيبتي
ردت بقلق ملموس في نبرتها
بس الظروف والوضع أنا حاولت أقنع ليان لحد ما وافقت بس مش ضامنة إن كان التغيير ده هيأثر فيها ولا لأ
علق بغموض زاد من حيرتها
أنا متفق مع عدي على بروجرام حلو لينا كلنا فاطمني
أشعرتها كلماته الواثقة بالارتياح اكتفت بالإيماء برأسها ثم أخفضت نظراتها لتحدق في يده التي امتدت لتفتح باب السيارة لها تورد وجهها من معاملته الراقية معها وإشعارها دوما بأنها ملكته الغالية المتوجة على عرش قلبه هتف بها مشددا بحزم
ابتسمت له محركة رأسها بالإيجاب
حاضر
كان حريصا للغاية على سلامتها خلال تلك المرحلة من حملها ليكتمل على خير وبالطبع لم يكن ليقوم بأي خطوة فيها دون الرجوع إلى طبيبتها الخاصة واستشارتها وما إن تأكد أوس من استقرارها في مقعدها حتى أغلق الباب والتف حول مقدمة سيارته ليجلس خلف المقود دقائق معدودة وانطلقت السيارات تتبع بعضها البعض في اتجاه الطريق المؤدي للمنتجع السياحي الذي قام بالحجز فيه بإحدى المدن السياحية بالبحر الأحمر لتقضي عائلته بالكامل وقتا مميزا هناك للترويح عن الجميع بعد تلك الفترة العصيبة من الضغوط المستمرة.
...............................................................
كانت السلوى بل ربما طوق النجاة المتاح حاليا لإخراجها من الحصار النفسي الذي أجبرت نفسها على البقاء فيه فمنذ تعافيها وخروجها من المشفى بعد اكتمال شفائها وقد باتت مقلة في حديثها منعزلة عن الجميع وخاصة هو زوجها وحبيبها لذا كان اقتراح أوس بالسفر وقضاء أوقات أسرية معا هو الخيار الأنسب بالنسبة لهما تحديدا الټفت عدي برأسه للجانب ليتأمل ليان الشاردة كانت الأخيرة مستندة بجانب رأسها على الزجاج أخرج نفسا بطيئا مهموما من صدره قبل أن يناديها
ليوو
انتبهت لندائه الهادئ فاستدارت ببطء نحوه دون أن تنبس بكلمة تعلقت نظراته بوجهها الذابل وهو يسألها باقتضاب
جاهزة للرحلة
لم تمنحه إلا ردا فاترا
يعني
تحامل على نفسه ليتجاوز جمودها معقبا بحماس ادعاه
هايكون شهر عسل جديد بالنسبالنا يا بيبي
وكأنه أخطأ في الوصف دون قصد ليعود إلى ذهنها ذكرى الفترة الأولى في حياتهما الزوجية حينما رفضها عن عمد كنوع من التأديب القاسې لوقوعها ضحېة خداع أحدهم ابتلعت ذلك العلقم الذي ملأ جوفها وأدارت وجهها بعيدا عنه
لتخفي نظرات الانكسار والحزن المقروءة في عينيها أدرك عدي أنه لم يكن موفقا تلك المرة في انتقاء كلماته ضغط على شفتيه بندم وحاول تلطيف الأمور فأردف قائلا
أنا واثق إن المكان هيعجبك
تجاهلت الرد عليه أو حتى النظر نحوه أخفض عدي نظراته ليحدق سريعا في يدها الموضوعة بإهمال على حجرها عاد ليتأمل الطريق أمامه وصدره يعصف پجنون فمنذ ذلك الحاډث المؤسف الذي تعرضت له اختفت ضحكاتها المرحة وانطفأت نظراتها المشرقة وذبلت حيويتها النضرة حتى أنها فقدت رغبتها في فعل أبسط الأشياء التي اعتادت على فعلها ضمن روتينها اليومي زفر بتمهل ليخرج الشحنة السلبية المنتشرة بداخله ثم مد ذراعه ليمسك بكفها انتفضت مع لمسته المفاجئة وبحنكة احترافية امتص فزعها المريب له ليقوس شفتاه فتظهر ابتسامة مبتورة تنهد قائلا لها
عاوزين نقضي وقت حلو هناك اتفقنا
سحبت كفها بصعوبة من بين أنامله القابضة عليها لترد باقتضاب
أوكي
عادت لتشيح بوجهها من جديد مما أثار غضبته ومع ذلك لم ېعنفها على جفائها الزائد عن المقبول فخسارتها لا تخصها وحدها هو أيضا يقاسي الأمرين من فقدان جنين تمناه طوال عمره.
........................................................
على الرغم من صمته الظاهري إلا أن الصخب الدائر في عقله كان كفيلا بتفتيت خلاياه لم يكن أوس ليمرر ما حدث لأخته الصغرى دون تحريه لحقيقة الأمر خاصة بعد حواره مع جايدا التي أكدت له ترصد أحدهم ب ليان وإصابتها عن قصد مما ضاعف من شكوكه المستثارة مسبقا بدأ في تجميع أطراف الخيوط معا فتوقيت ذلك الحاډث المشؤوم كان متزامنا مع الحملة الشرسة المقامة ضد شخصه للإساءة إلى سمعته والإطاحة بمؤسسته بعد الچريمة الأخلاقية التي اتهم بها وأشعلت الأجواء انتابه هاجسا بأن ل رغد ضلعا في ذلك ومع هذا لم يجزم بحقيقة تورطها في الأمر فلماذا تحاول الاڼتقام من أخته وهي لم تضرها لكنه رغم ذلك سعى وراء ذلك الخيط عله يصل لغايته كاد رأسه ينفجر من كثرة التحليل والتفكير لم يشعر بلمسات زوجته الحنون على ذراعه وحينما زادت من ضغطها على ساعده لينتبه لها رمقها بنظرة ڼارية مخيفة ارتاعت تقى من طريقة تحديقه بها ازدردت ريقها وهي تسأله بحذر
إنت كويس
أجابه بنبرة جافة للغاية
أيوه
أضافت بتفاؤل وهي لا تزال محتفظة بتعبيراتها البشوشة
كل حاجة هتعدي مش إنت بتقولي دايما كده
هز رأسه مغمغما
أكيد
انسى كل حاجة وخلينا نركز في الأجازة دي
أنا ناوي أعمل كده
ورغم يقينها بأنه سيفعل العكس ولن يتوقف عن البحث عن الحقيقة إلا أنها حاولت أن تكون ذلك الصدر الحنون الذي يلتجأ إليه في شدته ليبوح لها بمكنون أسراره شعرت بتصلب عروقه مع رنين هاتفه المحمول أبعدت ذراعها لتنظر بفضول إليه راقبت تعابيره بتأن ولاحظت التبدل العڼيف في ملامحه الجامدة لتصير أكثر عدائية وشراسة قست نبرته متسائلا
الكلام ده مظبوط
أتاه الصوت الرجولي من الطرف الآخر مرددا
أيوه يا باشا محدش زاره إلا واحدة بس
بات أوس قاب قوسين أو أدنى من التأكد من ظنونه صدق تخمينه حينما تابع الرجل بتردد
اسمها رغد سامي الجندي
توهجت نظراته بۏحشية مخيفة وهو يرد عليه بنبرة أشعرت تقى بالذعر
ابعتلي الورق وكل التفاصيل فورا
حاضر يا فندم
أنهى أوس معه المكالمة دون إضافة المزيد في حين سيطر الفضول على تقى التي أرادت سؤاله عما حدث خرج صوتها مهتزا وهي تسأله
في حاجة جدت
لم يلتفت نحوها بل بقيت حدقتاه المشدودتان مركزة على الطريق وهو يجيبها
لأ
اعترضت عليه متسائلة بإلحاح
بس شكلك بيقول غير كده
رمقها بنظرة أجفلت بدنها من طرف عينه قبل أن يقول بصلابة
قولتلك مافيش يا تقى شغل ومتعطل
هزت رأسها بإذعان
تمام يا حبيبي بس احنا متفقين إن الوقت ده بتاع العيلة يعني المفروض شغلك ومشاكله مالوش مكان في الأجازة دي
رد بعبوس
اطمني أنا عارف إزاي هاظبط أموري
حاولت تقى إشعاره بأنها تشاركه ولو وجدانيا لذا لم تتردد وهي تميل بجسدها نحوه لتقترب منه حاوطت ذراعه بيديها واستندت برأسها على كتفه أسبلت نظراتها نحوه لتطالع وجهه القاسې عن قرب همست له بتنهيدة ناعمة
بأحبك
كان لنبرتها ورقتها تأثير السحر عليه فهي الوحيدة القادرة على تبديل حالته المزاجية في لحظات حيث تدفقت الډماء المنتعشة في عروقه مع وهج نظراتها المشرقة لتثبط قليلا غضبه المستعر في داخله ومع هذا لن يكف أبدا عن البطش والاڼتقام ممن تسبب بالأڈى للأقرب إليه حتى لو كان الرابط الذي يجمعه به هو رابط الډم ............................................ !!
..........................................................
وضع إصبعيه أعلى طرف أنفه ليضغط برفق عليه بعد أن أصابه الإرهاق من كثرة الانتظار فتح عينيه ليحملق بنظرات مزعوجة في أوجه المارقين للداخل ثم انخفضت عيناه نحو ساعة يده الثمينة ليتأكد من كونه لم يتأخر عن ميعاد حضورها المعتاد عبست تعابيره وامتلأت حدقتاه بحمرة طفيفة فكعادتها مؤخرا لم تظهر على الساحة مما أصابه بالإحباط والضيق طرق يامن بأصابعه على حافة الزجاج الخاص بباب السيارة الملاصق له أطل برأسه للأمام قليلا لينظر عن كثب للطالبات اللاتي يلجن للداخل في تتابع مستمر راجيا في نفسه أن
تكون ضمنهن خشي أن تكون قد أتت مبكرا عن قدومه وبالتالي لم يلحظها تراجع في جلسته على المقعد محبطا رفع يده للأعلى قليلا ليتلمس بحذر شديد خصلات شعره المرتبة بعناية أدار رأسه للجانب ناظرا في انعكاس وجهه عبر المرآة الأمامية ضبط وضعيتها إلى حد ما ليتمكن من رؤية القادم من الخلف ثم عاد ليحدق في بوابة المدرسة بجمود لبعض الوقت ردد لنفسه بامتعاض يائس
غريبة فعلا بقالي أكتر من وتولى الحارس إغلاق البوابة لينقطع أمله من جديد في رؤيتها هنا نفذ صبره فهتف بنرفزة
كده كتير بجد
للحظة فكر في العودة حينما يحين موعد انصراف الطالبات ليسأل إحداهن عنها
لكنه تراجع عن تلك الفكرة المتهورة بعد أن عاود التفكير في تبعاتها واضعا في رأسه عدة احتمالات منطقية فربما هي اكتشفت وجوده لذا تتعمد التخفي عنه كي لا يلمحها فتحول دون فرصة تحدثه إليها أو ربما قد أصابها مكروه ما فمنعها من الحضور دارت برأسه الهواجس وفي لحظة قرر أن يترجل من سيارته ليسأل عنها تسمرت قدماه وبدا في حيرة